«بوليساريو» تهدد بالحرب
الخميس, 20 نوفمبر 2014 11:56

محمد الأشهبقلم-ورأي

تهديد جبهة «بوليساريو» بمعاودة حمل السلاح ليس جديداً، لكنه يعكس مأزق التسوية السلمية لنزاع قارب العقود الأربعة. وبالمقدار نفسه يحيل على أزمة المفاوضات، أقله أن من يهدد بالحرب ليس معنياً بالسلام.

في العادة تقود الحروب، طالت أم قصر مداها إلى مفاوضات السلام، وإن تباعدت مواقف الأطراف المعنية، ونادراً ما ينفرط عقد السلام، حين يبنى على أسس متينة، ويتحول إلى مواجهات عسكرية، إلا عند العودة إلى نقطة الصفر.

التهديد بالحرب ليس موجهاً ضد المغرب، فقد ربح حرب الصحراء بامتياز قبل وقف النار مطلع 1991. والأكيد أن وضعه العسكري تحسن كثيراً قياساً إلى سنوات الحرب الأولى، فيما جيل المقاتلين الصحراويين في مرحلة حماسة الشباب صار الآن أقرب إلى سنوات التأمل وعدم الاندفاع. ثم إن قرار الحرب يعني الأمم المتحدة التي ترعى وقف النار، وهي معنية بحالات الانتهاك والخروج عن نص الاتفاقات المبرمة.

لم يكن وقف النار ليدخل حيز التنفيذ لولا الوفاق المغربي- الجزائري الذي ساد، في غضون انفراج إقليمي كبير، على اعتبار أن هجمات «بوليساريو» كانت تنطلق من أراض واقعة تحت نفوذ الجزائر، وانتهاك وقف النار لا يمكن أن يحدث في غياب الموقف الجزائري، أقله أن تدهور الأوضاع إلى مستوى الحرب ينذر بمواجهات أشمل، لأن المعارك ستدور على مشارف المنطقة العازلة شرق الجدار الأمني الذي أقامته القوات المغربية. ويدرك المغاربة كما الجزائريون أن هذه المنطقة التي يفترض أنها غير آهلة، وتحظر الأمم المتحدة أي وجود مدني أو عسكري فيها، أقيمت لدرء أي انفلات، بخاصة عند تحليق الطائرات العسكرية المغربية أو استخدام «حق المطاردة» الذي لوّح به المغرب في المراحل الأولى لاندلاع حرب الصحراء، ولم ينفذه بدافع الحؤول دون توسيع رقعة النزاع.

بيد أنه في ظل معادلات التوازن العسكري الراهن، يصعب على الأطراف المعنية الدخول في مغامرة عواقبها وخيمة على منطقة الشمال الإفريقي برمتها. فثمة استحقاقات أخرى، من قبيل الحرب على الإرهاب، ومجابهة التهديدات الأمنية تستأثر بالاهتمام، لا بالنسبة الى العواصم المغاربية فحسب، ولكن على الصعيد الدولي أيضاً. ويحسب للمغاربة والجزائريين أنهم ضبطوا ساعاتهم على عقارب ضبط النفس، وظلوا يرددون في أصعب مراحل التصعيد أنهم لن ينساقوا إلى مأساة الحرب العراقية- الإيرانية.

أما وقد تغيرت المعطيات، وأضحت الرهانات تطاول الحرب على الإرهاب وترتيب الأوضاع الداخلية، واحتواء تداعيات ما يعرف بالربيع العربي، فلا أحد في إمكانه الإقدام إلى حافة الهاوية، وفي مقدم ما تحتاجه المنطقة هبوب نسمات ربيع آخر، يحرر علاقات البلدين الجارين، ومن خلالها يرسم آفاق التسوية العالقة لنزاع طال أمده.

أن يقول المغرب إنه باق في الصحراء إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، إنما يعاود تأكيد ما يعتبر بديهيات في صراع العدل والشرعية. ومنذ استرداد الساقية الحمراء ووادي الذهب، ما فتئ يعلن مغربية المحافظات الصحراوية. والحال أن «بوليساريو» منذ الإعلان عن وجودها وهي تردد طروحات مغايرة لهذا التوجه الوحدوي، فيما اضافت الجزائر إلى معجم تقرير المصير مقولة «تصفية الاستعمار». معنى ذلك أن التباعد في المواقف ليس جديداً، وكل ما طرأ أن التعاطي مع خطة الأمم المتحدة لناحية «الحل السياسي» يراوح مكانه.

ليس أكثر وطأة في العلاقات المغربية- الجزائرية من سريان مفعول إغلاق الحدود الذي جاوز عامه العشرين، ومع ذلك لا يزال الموقف يقابل بقدر من ضبط النفس، مع أن قرارات إغلاق الحدود لا تكون إلا عند نشوب الحرب، والأمر نفسه ينسحب على المشاحنات الديبلوماسية والإعلامية الناجمة عن الاتهامات المتبادلة إزاء تعرض رعايا مغاربة على الشريط الحدودي لاستفزازات وإطلاق الرصاص. وبالتالي فالتلويح بإقحام المنطقة في حرب جديدة لا يعدو أن يكون تنفيساً عن الاحتقان الذي بلغ درجة الغليان.

كان أحد السياسيين المغاربة يردد أنه في حال وضع الإبريق على النار، تتعين مراقبة درجة غليانه، حتى إذا قربت إلى الفيض، يتم نزع الإبريق. قد تصدق المقولة على الوضع السائد في نزاع الصحراء، كتداخل الأطراف والمنطلقات والأهداف. وفي وسع الأمم المتحدة أن تنزع فتيل الانفجار بإعطاء جرعة جديدة للمفاوضات التي تظل خياراً لا بديل منه. لكن المفاوضات ليست هدفاً، وهي إذ تتطلب مفاوضين مسؤولين يملكون سلطة وجرأة اتخاذ القرار، فإنها لا بد من أن تتمحور حول أرضية أقرب إلى الوفاق. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون في اقتراح المبادرات، وليس في معاودة تجريب فرقعات السلاح.

 

 

* نقلا عن “الحياة” اللندنية

فيديو 28 نوفمبر

البحث