متى يبلغ العرب سن الرشد السياسي؟
الأحد, 18 يناير 2015 23:03

altعلي الدربولي

إن الظروف التاريخية التي أحاطت بالمنطقة العربية ، والتي أطاحت بنظم سياسية وأحيت بدائل لها منذ أن أشهر العرب راية القوميةالعربية وهي تخفق كقلوب العرب تعبيرا عن الوحدة والالتحام التاريخي بين مكونات شعوب المنطقة ،

الضاربة جذورها في التاريخ من عهود كنعان وبابل وآشور..والفراعنة والفينيق ..إن تلك الظروف وحتى يومنا هذا لم تؤكد أنها كانت منتجة لنظام سياسي عربي جامع  ينتمي حقا لأصله التاريخي ماديا ومثاليا ، أمام ذلك الفيض من الوحى الإلهي الذي أهدى العالم ثلاث ديانات سماوية ، دون إغفال ما قدمته من سبق حضاري في زمن ما قبل هذه الديانات للإنسانية من تشريع وإبداع ، في القانون والعقود كما فعل حمورابي في بلاد ما بين النهرين ، وفي الكتابة وعقود العمل كما في تل مرديخ ( مملكة إيبلا) وأوغاريت في شمال وغرب سورية ،وفي نفس السياق ما قدمه الفراعنة من علوم في كيمياء التحنيط وفن هندسة البناء المعجز وفكر العبادة الموحد الجامع كما في عهد أخناتون مصر..

إضافة إلى منجزات الفينيقيين على تخوم العالم عبورا ثقافيا رائدا في البر والبحر . بالتأكيد لم تصدر تلك المعجزات عن أناس لم يبلغوا سن الرشد في حينه من حيث نظمهم السياسية أو نظم عقولهم الإبداعي على مستوى الفكر الريادي، لأن القاصر أو الحدث لا يملك القدرة على فعل مايفعله الراشد..

نعم كانت هناك حروب وكانت هناك دماء ، كما كانت هنالك وحشية ، لكن كل ذلك تحول ليكون ، من خلال انصهار عوامله ،ورؤية الرواد ، بيئة تأيُّن حضاري لتلك الإنجازات الإعجازية ، وكان الصراع في حينه على النفوذ لا ينتج فقط سلطة شخصية ديكتاتورية أو عائلية مسيطرة ، بل كان ذلك ،لدى من ترك أثرا من الشعوب ،يترافق بفعل مادي حضاري بناء يسبق ما قبله ،  وفعل فكري متطور يؤسس لما بعده ، وإن من عبروا  جسور التاريخ من غير طينة هؤلاء ، لم نجد لهم أثرا يذكر  ، ما يعني أنهم لم يبلغوا في حينه سن الرشد التاريخي فصاروا نسيا منسيا . إن الصورة المُظهَّرة للأنظمة السياسية العربية أصبحت نمطية متكررة بفعل ذات العوامل الخارجية ،والتي تدخل في صميم الصراع على المصالح ذات الأبعاد الدولية ، هي الآن، ليست على ما ينبغي أن تكون عليه، وما ذاك إلا لثلاثة أسباب في نظري :

الأول :  أن صورتهم من تظهير غيرهم لها .

الثاني :  تصديقهم أو إيمانهم  ،مدعين مخدوعين ، أنهم هم من صنع ويصنع ما هم عليه من صور سياسية .

الثالث : أن العالم بحاجة إليهم موقعا وثروة فيزيدوا من اعتمادهم عليه على حساب تنمية قواهم ،وجدهم في السعي إلى التمتع بالقرار المستقل في شأن ضمان وتأمين سلطانهم  ، وتحقيق الرفاه لمجتمعاتهم . الصورة التي أقصدها هنا هي ذلك الشكل السياسي للعرب الذي استقرت عليه أحوالهم كنتيجة من نتائج ثورتهم العربية في عام 1916م، وكضرورة من ضرورات تأمين البيئة المناسبة لنمو واستقرار ( إسرائيل) بشكلها السياسي المتحول من القومي إلى الديني ، كدولة من دولة المنطقة ، وأكثر من ذلك كدولة يُعمل من قبل الغرب على أن تكون مهيمنة على مقدرات العرب السياسية ، من حيث كونها عامل عدم استقرار يبرر لكثير من الحكام العرب ديكتاتورياتهم بحجة أولوية مواجهتها على أولوية تطوير أنظمتهم السياسية بالكيفية التي تُصان معها  حرية ولقمة عيش المواطن وتحفظ أمنه وكرامته ، والاقتصادية من حيث قيامها بالحروب المبرمجة بتغطية من صانعها في الغرب استنزافا للثروة والطاقات بقصد هدرها فيما لا يفيد المجتمع العربي ويشل فاعلية العرب الحضارية وتمكنهم  من تسلق ولو درجة واحدة على  سلم الحضارة الإنسانية !!

هذه الأسباب الثلاثة وضعت العرب في موضع المراهقة السياسية التي تسبق سن الرشد ..من كون المراهق  بحاجة إلى الرعاية ،فإذا كان سن الرشد عند الإنسان يتحدد عموما في سن الثامنة عشرة ..فكم ينبغي ان يمر على العرب من أزمان كي ينتجوا نظاما سياسيا راشدا ؟ انظروا معي كيف أن الأوصياء الدوليين على الحراك السياسي العربي يملؤون الآفاق العربية من الصومال إلى السودان إلى مناطق ودول اجتاحها الربيع الأحمر العربي ، الأمر الذي يثبت أن الأنظمة السياسية في حالة من الضعف ، لا بد معه من وصي أو مندوب أممي يرعى شؤونها : سَّراً :عن طريق الإملاءات السياسية- الاقتصادية ، وحاليا العسكرية ، في عملية الصراع الدموي الدائر في المنطقة الآن ،والتي يتلقونها خلف الكواليس من قبل الدول التي تؤمن مصالح معظمهم  في الحكم والثروة .

علناً : عن طريق المندوبين أو المبعوثين الذين يضبطون ساعاتهم على حركة ومصالح الدول ذات الأنظمة السياسية الراشدة في غرب العالم وشرقه ..

هنا ، وفي معرض ما يدور من فوضى دموية على الأرض العربية ، علينا أن نلاحظ بشدة ذلك الكم من التكاذب السياسي والخديعة التي يتقنها الغرب ،ذلك الكمّ المشوه للحقائق  تجاه أي حدث ينتج عنه ظلم للإنسان العربي ، وذلك الانحسار المروّع  لمد الوعي الخلاق ، الذي هو في الأصل جذوة سن الرشد التي عليها أن تبقى مشتعلة حتى تبلغ مداها..

إذن ،وفي معرض ما تقدم، علينا أن ننادي بأعلى صوت : إذا ما كان الدم ثمنا للوعي ..كوني أيتها الأنظمة السياسية  كما كان أسلافك مبدعة بناءة لا متبلدة خانعة هدامة ..وكونوا يا من يدعون الريادة (الربيعية )كمن ثار واقتلع مقومات فساد البلاد والعباد وحقق السلام من أسلافكم فصاروا عظماء ، لا كمن أحرق المكتبات والأوابد التاريخية ودور العبادة وقتّل الناس حتى صارت المياه الجارية زرقاء بلون الحبر في بغداد ، وصارت الساحات حمراء جراء بناء البروج من الرؤوس المقطوعة في دمشق ..

كانت أيام التتار والمغول ..فهل أنتم على آثارهم مقتفون ؟ لا بد لأي مخلوق من أن يبلغ سن الرشد كي يحيا حياة طبيعية ، وكذلك الأمر ، لا بد للجماعة السياسية من أن تبلغ سن رشدها مهما طال عمرها ، ولعل بلوغ النظام السياسي العربي سن رشده متعلق بمدى ما يمتلك العرب من قدرات مادية وفكرية ( وهم لعمري كثيرة بأصولها ) تمكنه من امتلاك أمر تظهير صورتهم الحقيقية  .

[email protected]

كاتب سوري

فيديو 28 نوفمبر

البحث