جمهورية دخْنستان
الاثنين, 26 يناير 2015 11:02

altخاص28 نوفمبر-  الطالب عبد الودود

في جمهورية دخْنستان أخرس الله العلماء والقضاة ومن على شاكلتهم عن قول الحق منذ البداية وأوضح مثال على ذلك هو تلك الجرائم التي ارتكبت في حق المواطنين الأبرياء في هذا البلد بدءا بثورة عمال المناجم في أزويرات سنة 1969 -

التي تم قمعها بالرصاص الحي  مما أدى إلى استشهاد كثيرين لا لشيء غير أنهم خرجوا مطالبين بحقوقهم في احتجاج سلمي – وانتهاء بتكرار نفس السيناريو في مدينة أكجوجت  صيف 2012 والذي فقد خلاله عمال شركة MCM رفيقهم الشهيد محمد ولد المشظوفي  رحمه الله عندما تظاهر العمال ضد جشع شركة أجنبية تستغلهم بأجور زهيدة وتقتل أهلهم بالسموم.

والمناضل لمين منغان الذي قتل  بدم بارد 2011 وجرح كثيرون أثناء احتجاجات مطالبة بعدم اقصاء شريحة اجتماعية من عمليات التقييد في السجل السكاني بمدينة مقامه جنوبي البلاد ومازالت الانتهاكات مستمرة بأشكال وأساليب مختلفة تمارس بشكل يومي على الضعفاء والبسطاء والمهمشين. الوضع في جمهورية دخْنستان يسوء يوما بعد يوم والأوضاع كارثية ومزرية بشكل لا يمكن وصفه ولا صوت يعلو فوق صرخات شعب تحاصره الأمية والبطالة والظلم والفقر والغبن والحنق.

مات من مات ونجى من نجى من الظلم والفقر والتهميش والمذابح ولم يتفوه أي عالم أو فقيه أو قاض بشطر كلمة عن هذه الانتهاكات واحتكار الدولة من طرف حفنة من العائلات  ولم تصدر فتوى ولم نسمع رأيا فقهيا ولا حتى تنديدا من علماءنا بهذا القمع والممارسات اللاإنسانية – وذلك أضعف الايمان - الى يومنا هذا فأين كانت المحاكم والعلماء أثناء وقوع كل هذه الجرائم والمنكرات والقمع المتواصل والظلم والتلفيق؟ لماذا لا تأخذ العدالة مجراها إلا عندما يتعلق الأمر بالضعفاء؟ لماذا لا نسمع أو نرى مواقف لا يخاف أصحابها في الله لومة لائم من قبل العلماء والفقهاء تندد بالظلم وتدين العنصرية والفساد والغبن بطريقة واضحة لا لبس فيها بعيدة كل البعد عن الارتزاق والتملق؟

لم تصدر اية فتوى و لا حتى رأي من قبل هؤلاء و لا من قبل غيرهم كل هذا يثبت أن العلماء و القضاء وجهان لعملة واحدة، وتثبت الوقائع على الأرض بأنهم أصحاب مصالح لا أكثر وأنهم اذا الرئيس وأصحاب النفوذ والبطون الممتلئة بالمال العام مالوا، مال علماءنا وفقهاءنا وقضاءنا حيث يميلوا.

الشيء الوحيد الذي يبرع فيه القضاء والعلماء على حد السواء في جمهورية دخْنستان هو تكييف وصياغة التهم لخصوم النظام والأحكام القاسية على من لا حول لهم ولا قوة تحت يافطات مثل: "انتهاك حرمات الله" و "انتهاك حرمات الله بالكذب" وأحكام مطبوخة أخرى تتعلق بالردة والزندقة والالحاد.  هذه التهم يمكن الصاقها بكل من لا ينتمي الى "عائلة معروفة" كما وصف ضابط من الدرك الشباب الذين أطلقوا النار على عناصر الدرك في حي أبكين بالعاصمة أنواكشوط في حديثه لصحراء ميديا، وكل من لا تربطهم علاقة بالرئيس وأعضاء الحكومة وأصحاب النفوذ والمقربين منهم ومن هذه الزاوية يظهر سوء حظ محمد الشيخ ولد امخيطير لأنه ليس من "عائلة معروفة" وليس خاله وزيرا للعدل.

نفس التلفيق والطواعية التي يعاني منها القضاء ويلطخ بها الدين و تلوى بها أعناق الآيات وينفض الغبار عن الأحاديث، تتم ممارستها بطرق أخرى في الأجهزة الأمنية – كل يعمل على شاكلته وحسب اختصاصه – المهم أن يوقع النظام بمن يريد الايقاع بهم سواء عن طريق الدين والفتاوى المعلبة حسب الطلب أو عن طريق الأمن وقضايا تتعلق بحيازة المخدرات أو محاولة اختطاف قاصرة من احدى الضواحي أو اغتصاب فتاة في شقة أو حتى تقديم شيك بدون رصيد. كلها فخاخ رائجة تم الايقاع بكثير من خصوم النظام وبعض الأشخاص المعارضين له عن طريقها.

يقول لك بعض الغوغاء "العلماء ورثة الأنبياء" وهم لا يعلمون بأن هذه التركة مشروطة مقدما بإحقاق الحق وبالابتعاد عن الباطل. العلماء هم من تقع على عواتقهم في المقام الأول مسؤولية السمو بأنفسهم الى ما دون مرتبة الأنبياء وذلك باتباع الحق والابتعاد عن النفاق وفي نفس الوقت يمكن للعلماء وألي العلم  أن يهبطوا الى درجة الحمار والى ما دون ذلك كالكلب والأمثلة كثيرة في القرآن الكريم مع أن قوة الذاكرة وحفظ المتون والكتب الصفراء وحدها لا تجعل من الانسان عالما أو فقيها جديرا بالاحترام.  

أول شيء يركز عليه القضاة ورؤساء المحاكم في جمهورية دخْنستان قبل النطق بالحكم في أي قضية هو انعدام أي صلة للشخص المحاكم بالرئاسة أو ببعض الوزراء أو حتى ببعض "العائلات المعروفة" وبعد التأكد من أنه مواطن بسيط لا حول له ولا قوة، تتم ادانته والتشهير به وحبسه لعدة سنوات ويمكن لسارق قنينة غاز صغيرة بـ 3000 أوقية – ربما بدافع الجوع – أن يمكث في السجن لأكثر من 5 سنوات من دون محاكمة مما يوضح بجلاء بأن العدالة لا تأخذ مجراها الا مع الضعفاء والمسحوقين ماديا واجتماعيا.

جمهورية دخْنستان يمكن لقاتل متعمد أو لسارق مليارات من خزينة الدولة وأصحاب الخيانة العظمى ومرتكبي الجرائم - مهما بلغت درجة بشاعتها - من المتنفذين والمقربين من القصر الرمادي وأعضاء الحكومة وأقاربهم والمنتمون الى محيطهم الاجتماعي أن ينجون من العقاب بكل بساطة ويتم التعتيم على جرائمهم وكأن شيئا لم يحدث والأدلة كثيرة ومتنوعة.

تصوروا أن القضاء الانبطاحي جمهورية دخْنستان يقوم بسجن الناس قبل أن توجه اليهم تهم ويقضون أسابيع وأشهر في انتظار أن تلفق لهم تهم أو أن يقرر الرئيس وحاشيته ماذا سيفعلون بهم. مغني الراب الشاب حمادةولد سيدي وجهوا اليه تهم بالاغتصاب وحيازة المخدرات وبعد أن بدت التهم غير مقنعة وأن الفتاة صديقته، أرسلوه الى السجن في انتظار نسج قصة جديدة. نفس الشيء حدث مع بيرام ولد أعبيدي وبعض نشطاء ايرا الذين سجنوا لأنهم شاركوا في مسيرة في بلد يتشدق صباح مساء بحرية التعبير. قضى بيرام قرابة شهر في الحبس التحكمي في انتظار تكييف تهمة وبعدها حكم عليه بسنتين نافذتين بتهمة "التجمهر والتنظيم غير المرخص" فأي قضاء هذا؟. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يتذكر قضاء جمهورية دخْنستان بأن تنظيم IRA غير مرخص الا يوم 15/01/2015؟

في كل الأحوال لم يفلح القضاء في جمهورية دخْنستان في شيء منذ نشأته لم ينصف مظلوما ولم يفرج عن مكروب بل كان نغمة على الضعفاء والمهمشين ومن يمر بأروقة العدالة ويلتقي بأسر فقيرة تقضي الأيام والأسابيع والأشهر جيئة وايابا مطالبين بإطلاق سراح أبنائهم الذين سجنوا لأسباب تافهة وتم نسيانهم في السجون ، سيدرك بأن الواقع أدهى وأمر وأن العدالة في موريتانيا هي نوع من ذر الرماد في العيون.  

الحياة في جمهورية دخْنستان تشبه الحياة في الأدغال حيث يسحق القوي الضعيف بكل برودة أعصاب لدرجة أن الاستكانة والقمع والخنوع أصبحوا جزء من الروتين اليومي لحياة الناس العاديين. عندما ينظر المرء حوله في هذه الغابة، ينتابه شعور قوي بالإحباط والضياع  واليأس بدءا من تسمية الدولة  لصحراء الشدة والغبار هذه ومناصبها الشاغرة لضحالة من يشغلونها وتسميات كــالرئيس ،الوزير ،المدير ،السفير، السياسي، العمدة، النائب ، القاضي، العلامة، الفقيه وأخيرا الصحفي.. تسميات والقاب لا تسمن الا أصحابها ولا يعني لهم المواطن البسيط أي شيء والبيت التالي للشاعرعبد الرحيم البرعي اليماني يلخص حالة التسميات والألقاب في جمهورية دخْنستان:

وكَم من سمىّ لَيسَ مثل سميه  ****وان كان يدعى باسمه فَيجيب

--------------------------------------------------------------

 بقلم الأستاذ الطالب عبد الودود خاص 28 نوفمبر

فيديو 28 نوفمبر

البحث