باب في أن "تكوسو" عرب
الاثنين, 29 ديسمبر 2014 23:18

هنالك خلاف لغوي هل "الكوس" و"التكوس" من الدوران أم من التدوير. وسنعود ضمنياً لهذا الخلاف. و"تكوسو" أو "الكواسة" هم العاطلون عن العمل. والكوّاس يختلف عن الطفيلي، مع أنهما يلعبان عادةً نفس الأدوار.

والفرق هو أن الطفيلي ممتهن أم الكواس فهو كريم قومٍ ذلّ ورجل أزرى به الدهر وفتىً أضاعه قومه. فالكواس ذو مؤهلات للعمل، ولكن بلاده ضاقت عليه، وكُتِبَ عليه الدوران بين بيوتات أهل المدر يبحثُ عن فرصة أو لقمة.

وعبارة "كواس حامل شهادة" حشو، لأنه بعد التسعينيات أصبح كل كواس حامل شهادة. وكان الأبلغ قول "حامل شهادة كواس". وبهذا المعنى فالكوس هو ظاهرة في المتعلمين. أما كوس البروليتاريا فله أوصاف أخرى من نوع "ما يكر احديدة" مثلاً أو غيرها.

 

وقد ظهرت ظاهرة "تكوسو" في الثمانينيات عندما اقتحم المدنَ الهاربون من الجفاف والمُسَفّرون وأصبحوا يتراكمون على موائد الكرام واللئام بنواكشوط ونواذيبو. وقد تحمّل الإداريون، في غياب طبقة مال وأعمال في حينه، عبء الكوّاس. وكان "الكوّاسة" حينها مصدر سخرية من أبناء الدشرة، وخصوصاً الأطفال، الذين كانوا يندفعون في الشوارع شادين:

 

تكوسو كَاسو روصو

بلا وت وبلا طيّار

وبلا بروت باط تبوسو

 

وكان الكوّس ينظف العاصمة بأقدامه شبه الحافية ونعله المرّقع. وفقط مع الـboom الطائعي وظهور قطاع التوريد تمّ امتصاص الكواسة وتخفيف العبء عن متحمليهم، وذلك عندما وجدت لهم البرجوازية أدواراً تصفيقية وتوريدية وتمثيلية عدة. على أنهم مازالوا غالبية. واليوم يوجد في موريتانيا 1300000 كواس.

 

وقد ظهرَ مفهوم الكواسة أيضاً في العصر العباسي. وقد تلازم مع ازدهار طبقة الطفيليين وطبقة البخلاء. فالأولى كانت تمد يدها إلى القصعة والثانية كانت تغلّ يدها إليها، فظهر الكواسون كطبقة وسطى. والكوس ضارب في العهد الأموي كذلك. وروى أبو الحسن المدائني أن أنه كان لحيان بن معبد جفنة، "وكان الناس يتكاوسون عليها" أي يتزاحمون ويتراكمون على مائدته. وقال "...رأيت حيّان بن معبد يسحب أردية الخز ويتكاوس الناس على مائدته".

 

بيد أن مشكلة التكاوس على المائدة أنه كان ذا مخاطر، فقد روى الأبشيهي أن أعرابياً قدم إلى مائدة الأمير بغرض التكاوس فقال الأمير أفسحوا له، فقال الأعرابي: لا تفسحوا لي فإن أطنابي طوال. فتكاوس من فوقهم فانقطع طنبٌ من أطنابه كما هو مشهور عند أهل الحذاقة.

 

اللهم لا تجعل بيننا كواساً إلا شغلته. إنك سميع الدعاء.

---------------------------------

من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك

فيديو 28 نوفمبر

البحث