السنغال .. لغة خطبة الجمعة تثير الانقسام في الأوساط الدينية
الخميس, 01 يناير 2015 14:56

altيتّفق مسلمو السنغال في جميع النقاط المتعلّقة بخطبة الجمعة، غير أنّهم يختلفون في اللغة التي تلقى بها. ففي هذا البلد الافريقي، يوجد شبه تقليد توارثته الأجيال منذ سنوات، ويقضي بأن تقع ترجمة خطبة الجمعة المعدّة في الأصل باللغة العربية

 إلى اللغة الوُلُفية، بما أنّها لغة أغلبية سكان السنغال. توجّه لم يحظ بإجماع بعض الأئمة المتشبّثين بضرورة أن تكون خطبة الجمعة عربية سواء من حيث لغة كتابتها أوإلقائها.

إمام سنغالي من متّبعي الصوفية يدعى “الحسن مبينغي” رأى، في تصريح للأناضول، أنّه لا بدّ من إلقاء خطبة الجمعة، وإن كان جميع الحاضرين من الصمّ”، في إشارة إلى الأهمّية التي تكتسيها هذه الخطوة قبيل أداء فريضة صلاة الجمعة.

موقف يلقى تأييدا من قبل جميع الأئمة في البلاد، كما أنّ خطبة الجمعة المكونة، في الواقع، من خطبتين تسبقان الفريضة، ينبغي بأن يفتتح الخطبة الأولى بـ “تمجيد الله والصلاة على نبيّه محمد، واستعراض آيات قرآنية وأحاديث نبوية لدعم خطابه الذي يتوجّه به إلى المصلّين”، بحسب ما صرّح به للأناضول الإمام “الأمين سيك”.

لكن موطن الخلاف لا يهمّ طريقة إلقاء الخطبة أو ما شابه، وإنّما يمسّ بلغة الخطاب في حدّ ذاته، فبين تقليد يقضي بأن تتم ترجمة النصّ إلى لغة “وولف” المحلّية، والتي تعتبر أداة تواصل لما لا يقلّ عن 95 % من السنغاليين (وهي تقريبا أيضا نفس نسبة المسلمين في البلاد)، بما يضمن بلوغ المعاني السامية الواردة في خطبة الجمعة لجميع المصلّين والمتابعين لها عبر مختلف وسائل الإعلام، وبين رافض لهذا الأمر، يطفو الجدل بخصوص هذه المسألة من جديد إلى السطح.

ويقول “حسان ضيوف” الإمام الصوفي بمسجد “روفيسك” بداكار، “هذا الخطاب موجّه للجمهور، وبالتالي فمن المؤكّد أنه سيفقد قدرته التأثيرية حين يعجز المتقبّلون عن فهم اللغة المستخدمة في بثّه”.

ودعما لحديثه، تلا “ضيوف” الآية الرابعة من سورة إبراهيم، قائلا في خشوع قبل أن يغادر ركنه القار بالمسجد: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ? فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ? وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”.

أمّا بالنسبة لـ “الحسن مبينغي”، فإنّه من غير المعقول أن تستخدم هذه الآية لإضفاء الشرعية على مسألة ترجمة الخطبة (إلى لغة الوولف)، فـ “محمد ليس رسول العرب فحسب، وإنّما هو رسول البشرية جمعاء، وبالتالي، فإنّ العربية هي لغة جميع المسلمين”.

نسبة من يفهم اللغة العربية في السنغال لا تتعدّى الـ 5 %، ما يعني أنّ عدم ترجمة خطبة الجمعة إلى اللغة المستخدمة من قبل غالبية السكان، سيحول دون وصول معانيها إلى جميع المسلمين، وسيحرمهم متعة النهل من تعاليم الدين من خلال الأيات القرآنية والأحاديث النبوية.

ورغم أنّ حاجز اللغة بدت تجلّياته واضحة في مختلف مساجد البلاد التي لا يقع فيها ترجمة خطبة الجمعة، إلاّ أنّ “مبينغي” مصرّ على نظرية أنّ “الخطبة ليست خطابا موجّها للأذن وإنّما للقلب”، مضيفا أنّ “العديد من الأشخاص تنهمر الدموع غزيرة من أعينهم لدى استماعهم إلى صوت عذب يتلو القرآن الكريم، دون أن يستوعبوا اللغة التي يتلى بها”.

ويتبنّى مسلمو السنغال الآراء الفقهية  للإمام مالك بن أنس، وهذا ما يدعم إصرار البعض من الأئمة على ضرورة إلقاء خطبة الجمعة بالعربية.

الإمام “يابا ندويي” قال، في السياق ذاته، أنّ “الإمام مالك دعانا إلى إلقائها بالعربية”، ولهذا السبب تلقى في كبرى المراكز الدينية والروحية في البلاد، على غرار مدينة “طوبى” (وسط) و”ندياساني” (شمال غرب)، إلى جانب “تيفوان”، باللغة العربية، وذلك منذ وصول الاسلام إلى البلاد، ومساهمة مؤسّسي هذه المدن في نشر تعاليم الدين الجديد.

وأضاف “ندويي” المسلم الصوفي الذي يؤم مسلمي السنغال في صلاة الجمعة منذ 1998 “في ظلّ غياب آيات قرآنية وأحاديث تدعم بشكل واضح موضوعا معيّنا، فإنّ العقلانية أو المنطق يقضي بأنّ كلّ شخص سيختار المقاربة التي يراها مناسبة”.

أمّا “مامادو تال” وهو سنغالي من متّبعي الصوفية، فقد أكّد، من جانبه، أنّ “المذهب المالكي يشكّل المدرسة المرجعية في السنغال، وأنّ تعاليمه بخصوص خطبة الجمعة واضحة”، لكن لسوء حظّه، على حدّ تعبيره، فإنّ خطبة الجمعة يتلوها إمام المسجد الذي يؤدّي فيه أسبوعيا الصلاة، مترجمة.

وتابع “لا مجال للصلاة وراء إمام يقوم بترجمة الخطبة”.. غضب ترجمه الرجل عبر تغيير المسجد الذي يصلي فيه، مفضّلا قطع أكثر من كيلومترين للحصول على “ملجأ” في مسجد آخر بضواحي داكار تلقى فيه الخطبة بالعربية. فهذه الأخيرة تشكّل بالنسبة له جزء من صلاة الجمعة، ولذا وجب أن تكون باللغة العربية تماما كالصلاة، وترجمتها “تمسّ بالفريضة بأكملها”.

موقف يلقى تأييدا شبه كلي من قبل معظم الشهادات، التي حصلت عليها الأناضول، ذلك أنّ الكثير من أئمة السنغال يبدون شراسة في الدفاع عن ضرورة إلقاء خطبة الجمعة بالعربية، بينما تسعى أقلّية منهم إلى اختراق هذا الجدار المنيع، والسعي إلى إيصال معاني خطبة الجمعة إلى أكبر عدد ممكن من مسلمي السنغال، عبر ترجمتها إلى اللغة الولفية.

الأناضول

فيديو 28 نوفمبر

البحث