ثورات شابة… قيادات هرمة وكيان صهيوني غبي
الخميس, 19 نوفمبر 2015 15:31

يبدو مأزق الكيان الصهيوني اليوم، حادا، أمام هبة أو انتفاضة شعبنا الفلسطيني الجديدة، إذ أثبتت الأسابيع الماضية، من جديد أيضا، أنه غير قادر على وضع نقطة في آخر السطر، بعد سبعة وستين عاما على تأسيسه؛

نقطة واحدة لا غير، تفيد بأنه استراح، وأن الوقت قد حان لبدء مرحلة جديدة، يعبِّر فيها عن فرحه بذلك النصر الذي حققه عام النكبة، وبذلك الاستقلال الوهمي المسروق الذي حاول إقناع العالم به، في أغرب حالة استقلال، فبدل أن يُعلن الشعب الواقع تحت الاحتلال استقلاله أعلن المحتلون استقلالهم!

 

بعد سبع وستين عاما تبدو المعركة في أوجِها، مستمرة، متشعبة، بإعلان الضحية أنها غير قادرة على أن تستسلم، غير قادرة على أن تموت، غير قادرة على أن تتوقف عن الحلم، غير قادرة على أن تتوقف عن النمو، غير قادرة على أن تتوقف عن التوالد، غير قادرة على أن تنقرض، غير قادرة على أن تتوقف عن ترديد نشيدها بصوت أعلى، غير قادرة على أن تتوقف عن قول الشعر والنثر والفن وابتكار جمال لا ينتهي، وغير قادرة على أن ترفع راية استسلام ينتظر القاتل أن ترفعها منذ سبعة وستين عاما.

مأزق الكيان الصهيوني الكبير، هذا، لم يساعده ولو للحظة على أن يكون أقل غطرسة وأقل غباء، حين يقتل، حين يهدم، حين يسجن، حين يقتلع الأشجار، حين يكاثر قلاعه فوق رؤوس التلال والجبال، حين يواصل الكذب باعتباره الفن الوحيد الذي يتقنه.

كان بن غوريون الزعيم الصهيوني يقول عن الفلسطينيين: سيموت كبارهم، وينسى صغارهم، وها هم الكبار لم يموتوا ولم تمت ذاكرتهم بتناسلهم في ذاكرات جديدة طازجة، عفيّة، يقظة، شجاعة، وذكية، وها هم الأطفال يوسِّعون مدى ذاكرة الأجداد والجدات والآباء والأمهات بذاكرة معرفية جديدة، هي في الحقيقة أكثر اتساعا وعمقا من ذاكرة الحنين إلى البيت الذي سُرق، والبستان الذي احتُل، والقرية التي دُمِّرت.

في ثوراته الحديثة كلها، كان الشعب الفلسطيني شابا، منذ رصاصته الأولى عام 1965، حتى أول سكين عام 2015، وهذه أهم ظاهرة في الثورات الفلسطينية الحديثة، في الداخل والخارج، فقد بدأت الأمور تتغير جذريا بعد النكبة بشكل واضح، ففي الوقت الذي راحت فيه كثير من (وجوه) فلسطين المعروفة تميل نحو هذا النظام العربي أو ذاك، ويتحوّل بعضها إلى جزء منه، ويذوب، أو يحاول بعضها التمسك بمكانة قديمة انهارت أساساتها، أو يحاول جزء آخر لملمة الشتات الفلسطيني في هيئات سياسية تنشد استقلالا في واقع لا يسمح بالاستقلال، ولا يتيح أيا من شروط المقاومة، تقدم الشباب بصيغ مختلفة وطرحوا الثورة كخيار لا بديل عنه. ولم يكن ذلك يحدث على صعيد الكفاح المسلح، بل امتد إلى أشكال من المقاومة المدنية وامتد أيضا إلى الفن والأدب، حيث برز جيل جديد تجاوزت رؤاه واهتماماته كتاب المراثي وبكائياته باتجاه كتاب الثورة والتمرد.

في الداخل الفلسطيني كان التمرد والغضب وإعادة تشكيل الهوية المهدّدة يتجلّى في أدب المقاومة الذي مثّله شباب في بدايات العشرينيات من أعمارهم، وكذلك الأمر في الخارج الفلسطيني حيث ولد أدب يتغنى بالثورة ويسير في مواكبها.

لكن الكيان الصهيوني لم يتعلّم، بل يزداد بلاهة يوما بعد يوم، وهو يصدر القوانين من دون توقف في محاولة لحماية كيان، وهنالك ما يقرب من أربعمئة قرار والعديد العديد من نصوص القانون الدولي ضده، وهناك عالَم حيّ لم يعد قادرا على أن يغمض عينيه إلى الأبد، بعد أن دفع كل ما فُرض عليه من ضريبة لذلك الكيان، ودفع الفوائد وفوائد الفوائد، واكتشف أنه لن يستطيع مواصلة الدّفع إلى ما لا نهاية لكيان الابتزاز هذا، ومعه كل من يناصرونه بالصمت، أو بالتواطؤ المكشوف أو بخنق صوت الفلسطيني وتكميم أفواه جراحه ومعاناته.

تبدو حكومة هذا الكيان اليوم، والكنيست الذي يقوم بتشريع جرائمه، أشبه ما يكونا بساحة معركة، وهما يصدران قوانين ضد المقاطعة وقوانين ضد راشقي الحجارة وقوانين تبيح محاكمة من بلغوا الثانية عشرة من أبناء فلسطين، وأسر وترويع من هم أصغر من ذلك بكثير، كما لو أن جيش هذا الكيان لم يكن يمارس هذه الجرائم من قبل! أو ليست لدية الأوامر والتعليمات التي تبيح له قتْل من هم أقل منهم عمرا، كما لو أن هذا الجيش وعصابات مستوطنيه لم تواصل اقتراف الإبادة الجماعية المستمرة منذ سبعة وستين عاما.

تحصينات وتحصينات ، قوانين وقوانين، ذرائع وذرائع بلا نهاية، لكيان يواصل حشر نفسه في الغيتو الذي عاش دائما فيه، ولا يقتله سوى وهمٌ وحيد أنه سيعيش إلى ما لا نهاية، متجاوزا القيامة نفسها! أوليس هو من يرى في نفسه شعب الله المختار؟.

ونعود لثوراتنا الشابة، وشبابنا المثقف الذي يشعل نارها في كل مرة من جديد وبإبداع أعلى وأقوى وأكثر تصميما وصلابة، لنرى أننا اليوم أمام مأزق متكرّر، ستتجاوزه هذه الثورات بالتأكيد، وهو مأزق قياداتنا الهرِمَة، التي لا تستطيع التعامل مع واقع الثورة بما يليق بها، معبرة عن جوهرها، ومساندة لها وحاضنة لأهدافها.

من المحزن أن نسمع الكلام نفسه، الذي قيل في الخميسينيات من القرن الماضي يتكرّر في مهرجانات التضامن وفي خطابات المؤتمرات في الضفة والقطاع، ومن المحزن أن لا نسمع جملة مفيدة لمسؤول فلسطيني تسأله محطة أجنبية كبرى أو فضائية عربية عن ثورة السكاكين، إنهم يتلعثمون فقط، ثم يتلعثمون، ولا يستطيعون تقديم جملة إنسانية جريئة واضحة مؤثرة، إنهم يواصلون الحديث (الدبلوماسي) نفسه الذي خاضوه ألف مرة حول طاولات المفاوضات، أو مفاوضات الخفاء، أو تفوهوا به في حضرة هذا الزعيم الحامي لهذا الكيان أو ذاك المتستر على جرائمه.

وبعد:

كلَّ يومٍ نوسِّعُ، ثم نوسِّعُ هذا الطريقْ

كلَّ يومٍ على ولَدٍ طيِّبٍ يُطلِقونَ رصاصاتِهم

والدّماءُ هنالكَ تعلو.. وتعلو

وهمْ في المَضيْقْ!

 

إبراهيم نصر الله

فيديو 28 نوفمبر

البحث