النقد الداخلي قد يخفف من ثقافة التكفير/سيدي محمد بن جعفر
الاثنين, 25 أغسطس 2014 17:05

موضوع أُبعد  منذ فجر الإسلام على يد علماء الفرق المتناحرة حتى لا يُرى سوى ما يرون ، فالأخرى المخالف زنديق وبدعي ، لا تأكل ذبيحته ولا يُعاد مريضه ولا يُصلى خلفه،  هذا ما تزخر به المدونات ، تركوا لنا فكراً ظاهره دفاع

 من أجل الدين "الصحيح"  وباطنه التكفير والتنفير وهجر سنن المرسلين، القائمة على الحوار والجدل المرن وحتى الساخن أحيانا (قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا)  فكم من كتاب لعلم شهير طالما شنف اسم صاحبه الآذان على مر العصور ومع ذلك به من التنفير والتحذير من الاطلاع على فكر المخالف بل وحتى التحامل عليه والتقول عليه ما ندفع ثمنه حتى اليوم في عصر التنوير والبحث الدقيق وسرعة الوصول إلى المعلومة القطعية إن استخدمنا مناهج ووسائل التمكين كما استخدمتها الأمم الأخرى، فتصالحت مع تاريخها ، وعرفت الصحيح منه ففاخرت به ، وميزت الزائف منه فحذرت منه ، مبرزة  ما سبب لها من التناحر ، ووضعته جانبا كي لا  تعود إلى عصور مظلمة، ظلم فيها أسلافها بعضهم بعضا وضرب بعضهم رقاب بعض، وكفروا وبدعوا  وأسسوا محاكم للتفتيش عن ما تكن صدور المخالفين، فذاق بعضهم بأس بعض بسبب تركهم الهدي الإلهي القائم على الرحمة والمحبة والإنصاف  بسبب شرائع الإنسان المبنية على الأهواء والمصالح  ، فاقتفينا أثرهم كما اخبرنا الصادق الأمين "شبرا بشبر" ، فشرَعنا ما لم يأذن به الله ، ولم نترك جُحراً  دخلوه إلا وولجناه ، تداركتهم عناية الله وأشرق عليهم نور العقل فاتبعوه، فتراجعت العداوة والبغضاء بينهم وانطلقت مسيرتهم الحضارية ، فصرنا عالة عليهم،  نحسدهم على ما منَ الله به عليهم عاجزين عن مجاراتهم فيه، متمسكين بأوهام أننا سننهض كما نهضوا لكن بوسائل غير تلك التي استخدموا ، والتي يأتي في مقدمها العقل الذي أمرنا الله باستخدامه في أكثر من آية فعدلنا عنه إلى مقولات زائفة  قتلت فينا روح الإبداع .

 

 اجل لنا من وسائل العودة إلى المحجة البيضاء الشيء الكثير، أوله كتاب ينطق بالحق ، لو اتبعنا هديه بصدق لاكتشفنا زيف الكثير من المسلمات التي جذرتها الخصومات المذهبية فينا وجعلناها دينا نتعبد به ، ولاكتشفنا الأثر السيئ لتك النعرات والتخندقات التي ورثنا جيلا عن جيل،  وتمسكنا بها ملغين عرض الحائط لكل ما يخالفها ، فإذا كان قرءانا  بحثنا له عن معاني تتماشى مع ما يوسوس به الشيطان، وإذا كان حديثا ضعفناه حتى نقدم عليه رأي واجتهاد من نقلد، ليس فكر التكفير الذي يمزق الأمة  وليد اليوم ، وليس خاصا بطائفة ولا مذهب، إنه قديم وراسخ ، فقط ليمتلك أهل كل مذهب الشجاعة الكافية وينقدوا مذهبهم من الداخل فسيكتشفون كم به من ظلم المخالف،  وليدققوا في تلك الأحكام الجاهزة في كتبهم ضد الخصوم وليمرروها على القرءان فسيدركون مدى مخالفته له.

 

كثير منا اليوم وعن صدق نية  في ما نعتقد لا يكلفون أنفسهم البحث في الخلفيات السياسية والفكرية الأصحاب المدونات التي يقلدون، لسان حالهم يقول كل هؤلاء الأعلام "لا ينطقون عن الهوى " علما بأن من يدرس تاريخهم يجد أن غالبيتهم كانوا  مع وضد ، وقد انعكس ذلك على فكرهم ومواقفهم من علماء زمانهم ، فكم من وعاء علم لم ينهلوا من معينه حتى يظن البعض أنه ضعيف الرواية، "فنقول تركه فلان" والسبب الحقيقي عند البحث والتدقيق خصومات سياسية معهم أو مع أشياخهم ، قلة منا يعرفون أن أحد كبار علماء القرون  الأولى ، ومن الأعلام الذين يركن إليهم ضعف عالما أرسخ منه قدما والسبب أنه قدم عليه مجلسا ولم يقف له!! ، وعلم آخر متبوع اعترف أنه ترك النقل عن طوائف معهم "علم كثير حسب تعبيره " لأنهم يخالفونه في الرأي.

 

 

النقد الداخلي قد يخفف من ثقافة التكفير والتفجير التي أصبحت سائدة والتي تغذيها قنوات الطوائف بما تستحضر من فكر الخصومات السياسية في الماضي السحيق،  فهو فكر سهل التسويق فالأرضية الحالية صالحة له وعواطف أهلها جاهزة لتقبله، وعلى علمائنا الأجلاء تحمل المسؤولية، فمنذ 14 قرنا والحركات المتغلبة تتبنى فكر التكفير والتنفير وإثارة الشحناء وزرع البغضاء بين المسلمين وتدافع عنه،  وتمكن له من أجل أن تظل لها الغلبة، في عصرنا ينبغي  أن نُحيي فكر العقل الذي يدعوا القرءان الكريم لاستخدامه ، ثم لنظر كيف هو قادر على تجفيف منابع التكفير أكثر من ترديد مقولات "سماحة ديننا " غير المشفوعة بما يدعمها من فكر ينتقد الذات وينصف المخالف ، ويعترف له إن كان محقا, ليتنازل الكل عن كبره ويصغ إلى العقل وينتقد ذاته ويعترف بأخطاء الأسلاف في حق مخالفيهم، ويعترف للمحق من معارضيه ، فالعلم بدون أسئلة محرجة لا يقدم أجوبة  مقنعة ، وإعادة فكر الماضي دون تمحيص عمل أقرب إلى العبثية فلم يعد الكثير منه صالح لحاضرنا ، فقليل من النقد وقليل من الأنصاف قد يساعد  في الحد من الغلو المذهبي وما يترتب عنه من تكفير المخالف .

فيديو 28 نوفمبر

البحث