قــــــــصـــــتــــــي مــــــع بـــشــــار الأســــــد
الأربعاء, 30 سبتمبر 2015 20:27

استيقظت يوم العاشر من شهر يونيو 2000 متأخراً بعض الشيء، وحين فتحت التلفزيون على محطة «الجزيرة»، وكنت ساعتها من مشاهديها، فوجئت بدفق لا يصدق من الأخبار العاجلة الواردة من دمشق، وبسرعة صار شريط الأخبار أسفل الشاشة كالحَرابي ومؤشرات البورصة يتلون بين الأحمر والأصفر والأخضر:

عـــــاجـــل: وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد... عاجـــل: اجتماع مجلس الشعب السوري لتعديل الدستور... عـــــاجـــل: تعديل الدستور لتمكين النجل الثاني لحافظ الأسد من تولي مقاليد الأمور... عـــــاجـــل: بشار الأسد يؤدي اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية العربية السورية... عـــــاجـــل: آصف شوكت زوج شقيقة بشار، وشقيقه الأصغر، يشرفان على التدابير الأمنية المواكبة لنقل السلطة.. عـــــاجـــل: متحدث رسمي يفيد بالبدء في إعداد المراسم الجنائزية للرئيس الراحل حافظ الأسد، في موكب مهيب يمتد من دمشق إلى بلدة مسقط رأسه القرداحة... ومعنا الآن مراسلة «الجزيرة» في دمشق ليلى موعد... وتظهر ليلى في دمشق مريضة، وطبعاً لا طبيب مداوياً، وتسترسل في تقرير فاااااتر عاثر، متشحة بالسواد، معددة مآثر «فقيد الوطن والأمة»، مجشهة في الأخير بنوبة بكاء بادي التصنـُّع والتقنـُّع!

 

وللأمانة، فقد كان البكاء يومذاك موضة عاثرة أصابت بعدواها معظم من ظهرن على الشاشة من نساء دمشق الجميلات، فقد ظهرت عدة سيدات أخريات متباكيات بخد صقيل بـَـلِـيل، تغشى وجوههن المناديل، في مراسم تغيير الدستور بمجلس الشعب، وخلال جلسة حنث بشار لليمين الدستورية. ومثل ضَرَّتـهن كان الحال عموماً من بعضه: كلهن متشحات بالسواد، والجفون مسبلة، والدموع مرسلة، وقد تدفق الإثمد من المآقي كالمجارير والسواقي، ويعلم الله أنها دموع أصدق منها بكثير دموع التماسيح والحمير...

واستمرت الحفلة التنكرية والكل هائم ساهم وسط ثرثرات جوقة رديئة من عجائز مجلس الشعب من أقزام المقعد الخلفي، الذين برروا ومرروا أول توريث في التاريخ الإنساني يسجل في نظام سياسي جمهوري، مع براءة اختراع يعرُبية لم تخطر قبل ذاك على بال إنسان ولا شيطان.

ويمر شريط الأخبار، وتكر سبحة الأيام، لتثبت ألف مرة ومرة أن ذلك التوريث المنحوس وتلك الفرية «الدستورية» الركيكة كانا وباء وبلاء على بلاد الشام، مع توالي فشل بشار المتراكم، ومن واقع ما اقترفه نظامه خلال 13 عاماً من جرائم. والحقيقة أن أقل حال بشار اليوم أن يكون منتحل صفة قانونية ليست له بها صلة. وحسب علمي أن الدستور السوري المرحوم المزعوم الذي كان سارياً تحت حكم «البعث» ينص على أن ينتقل منصب الرئاسة تلقائياً وميكانيكياً في لحظة وفاة رئيس الجمهورية إلى نائبه مباشرة. ونائب حافظ الأسد حتى دقيقة وفاته كان عبدالحليم خدام «أبو جمال». ولذا فإن منصب رئاسة الجمهورية العربية السورية انتقل إليه قانونياً وتلقائياً لحظة موت حافظ. ولذلك فقد ظل هذا المنصب طيلة هذه الفترة الماضية مغتصباً من طرف طبيب أسنان فاشل، منتحل صفة، لا شرعية قانونية أو أخلاقية أو تقليدية أو دستورية تبرر بقاءه في القصر الجمهوري أصلاً. وفوق هذا أيضاً لا شرعية إنجازات ولا حتى شرعية تعهدات. وزاد على كل ذلك باقتراف أبشع وأشنع المناكر والمجازر بحق الشعب السوري، على أساس طائفي، طيلة السنوات الأربع الماضية، رافضاً في عناد بغل التخلي عن منصب مغصوب، متشبثاً بأوهام نظام غير شرعي، وإيديولوجية مفلسة، متألهاً وهو يرى «شبيحته» القتلة يجزون رؤوس النساء والأطفال وهم يرددون تعاويذ حفلة الزار: بشار الأسد الواحد الأحد... ولا إله إلا بشار!

واليوم تقترب لحظة سقوط المخلوع بشار، وتمتد أيادي محبي بلاد الشام وأهلها تضرعاً إلى الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في شامنا ويحفظها ويجنبها شرور الحروب ويرفع عن أهلها الغمة والمحنة، وهي تجد نفسها اليوم بين نارين: نار طغيان المجرم بشار، ونار إجرام جماعات الإرهاب والظلام. يا نار كوني برداً وسلاماً على سوريا والسوريين... آمين... يا رب العالمين.

من صفحة الأستاذ حسن ولد احريمو

فيديو 28 نوفمبر

البحث