قصتي مع "المسيس" مارغريت تاتشر والدده محمد الأمين السالك (التفاصيل)
الجمعة, 24 يوليو 2015 01:20

altملفات- 28 نوفمبر

في أحد أيام السنوات الاولي من تسعينيات القرن الماضي، قدم الزميل الدده محمد لامين السالك نشرات الاخبار العربية الزوالية والمسائية في إذاعة موريتانيا وكانت أخبار عن رئيسة وزراء ابريطانيا السابقة مارغريت تاتشر تتصدر الانباء الدولية 

وقد حرص الزميل الدده علي  تسميتها ب"المسيس" تاتشر بدل السيدة تاتشر.

في صباح اليوم المالي استدعاني محمد يحي ولد حي المدير العام للإذاعة في مكتبه بوصفي مديرا للأخبار بالنيابة أثناء غياب مديرها الزميل محمد المختار ولد اياهي، وكان أول ملاحظة قدمها لي، هي استغرابه للقب "المسيس" الذي أطلقه الدده علي تاتشر في جميع النشرات، مؤكدا بأنني كان علي الإنتباه الي ذلك في أول نشرة ومنع تكراره في النشرات القادمة. فأجبته بأني لم ألاحظ أن الموضوع يحتاج الي ذلك وأنني سوف أنبه عليه المعني مستقبلا.

وبما أن الزميل الدده، هو من سيقدم النشرات زوال نفس اليوم قدمت له ملاحظة المدير العام فرد علي بأن لقب السيد أو السيدة لا يطلق شرعا إلاّ علي المسلم ولا يجوز اطلاقه علي الكافر. وفي موجز الاخبار منتصف النهار أعاد الدده نفس لقب "المسيس" لتاتشر وعندها استدعاني المدير العام في مكتبه وكان غاضبا (وهي حالة تقع له نادرا لأن طبعه الهدوء والرزانة والابتعاد عن كل مظاهر السلطوية)، فذكرني بأوامره الصباحية فأبلغته حجة المعني فقال لي: "المهم أن لا يعود إلي هذه العبارة وان يلقبها بالسيدة تاتشر وان لم يمتثل بذلك فبحث عن مقدم للنشرة غيره، سمعت هذا أمر وعليك أنت تنفيذه كمدير للأخبار".

قبل نشرة الساعة الواحدة وبينما كان الزميل الدده في سكرتيرية إدارة الأخبار يرتب نشرته ويعد عناوينها، مع طابعتها الزميلة عيشة بنت حبيب الله زوجة الزميل المختار لسان الدين، دخلت عليه وأبلغته أمر المدير العام وأنه غير قابل للنقاش وأن عليه امتثاله فتمسك بحجته وأنه لن يمتثل لأوامر بشرية تخالف أوامر إلهية ، فقلت له في هذه الحالة سأكلف غيرك بتقديم النشرة، فرد علي بأنه هو من سيقدمها ولن يقدمها غيره.

فأخذت نسخة النشرة التي يحتفظ بها مدير الاخبار وسلمتها لأحد الصحفيين ونزلت معه الي استديوه الاخبار وأبلغت حراسه أنه هو من سيقدم النشرة وأن يمنعوا الدده من دخول الاستديوه وعدت الي مكتبي، وفجأة دخل علي الزميل الدده في حالة ثورة غضب شديدة وقفل الباب وأخذ المفتاح، الذي كان فيه" ووضعه في جيبه وصب علي كل ما جاد به خياله الواسع من عبارات الشتم والتهديد، حاولت أن اتصل بالحرس عند باب الاذاعة بالهاتف فقطع علي الاتصال وحاولت الخروج من النافذة فسدها، عند ذلك تجمهر أمام المكتب عدد كبير من الموظفين، يتقدمهم المدير العام المساعد ديكو سوداني والحرس يحالون فتح الباب، حافظت علي هدوئي والاحتماء بالمكتب وهو يحاول أن يمسكني وفي هذه الاثناء تمكنت من فتح النافذة التي دخل منها بعض المتجمهرين وأمسكوا به وهو يتوعد، وأخرجه الحرس من مباني الإذاعة.

وفور انتهاء عملية الاحتجاز استدعاني المدير العام في مكتبه وطلب مني اعداد تقرير مفصل عن الحادثة وأن اقدمه له الساعة الثامنة من صباح يوم غد، كما أمر المدير العام المساعد ديكو سوداني والمدير الإداري عبدو ولد محمد الأمين بتحضير أقصى عقوبة منصوص عليها في القانون في حق مرتكب هذا العمل وأن يكون ذلك جاهزا صباح غد. وفي مساء نفس اليوم عدت الي المكتب وقبل أن ابدأ كتابة التقرير عن حادثة الزوال، انشغلت بتسوية بعض القضايا الادارية المستعجلة، حيث اطلعت من بين الرسائل الواردة علي رسالة من السفارة العراقية تتضمن دعوة للزميل الدده محمد الأمين السالك من وزارة الثقافة العراقية لزيارة العراق لحضور موسف ثقافي وقد أحالها المدير العام الي مدير الاخبار لإبداء رأيه بوصفه المسير للموظفين التابعين لقطاعه.

وعندما أخذت ورقة وقلما استعدادا لكتبة التقرير، حالت بيني مع الورقة صورة قرية بوخزامة الواقعة بين النعمة وولاتة والتي سبق أن زرتها في مهمة صحفية قبل ذلك بأقل من سنة، تذكرت تلك القرية الوديعة الهادئة، تذكرت كرم أهلها وورعهم، تذكرت تلاوة القرءان، التي لا تنفطع في كتاتيبها وفي كل بيت من بيوتها، تذكرت حلقات مراجعة مختلف العلوم الشرعية والغوية والسيرة النبوية في محاظرها الزاخرة، تذكرت أن الدده قد ترعرع في أحضان هذه القرية وتروي وهو صبي من معينها المعرفي وتشبع بأخلاق وقيم أهلها الفاضلة وعزتهم بالنفس وامتثال أوامر الله وسنة جدهم، رسول الله صل الله عليه وسلم ورفض كل ما سوي ذلك مهما كلفهم، بما فيها أوامري أنا وأوامر المدير العام.

تذكرت مدارس أبن عامر، حيث التقيت ادده لأول مرة، قبل 20 سنة وهو يتعلم فيها ويعلم في نفس الوقت، تذكرة عامل العصامية المشترك بيني وبينه، تذكرت صوت الدده الجهوري في إذاعة موريتانيا، يقدم النشرات ومختلف البرامج الثقافية والادبية والدينية والتي طالما استأنست به واستفدت منه.

تذكرت حاجتي لراتبي الذي هو مصدري الوحيد للإنفاق علي عيالي وأن الأمر ينطبق تماما علي زميلي ادده، تذكرت أنني وإياه افنينا زهرة شبابنا في الحقل الاعلامي الي أن وصلنا إلي ما وصلنا اليه بجهودنا الخاصة وبتفانينا دون الاعتماد علي أي أحد ولا مساعدة من أحد.

قارنت بين الضرر الظرفي الذي لحقني جراء تصرف زميلي الدده اتجاهي زوال ذلك اليوم والمقتنع بأنه ناجم عن لحظة غضب لم يخطط لها ولا يستهدفني بها شخصيا، لأن لاشيء ابدا في تاريخنا يدعوه لذلك، قارنت بين هذا والضرر الذي سينجم عن كتابتي لهذا التقرير وتخيلت أنه ضرر سيكون عميقا وطويل المدة، عواقبه غير محسوبة، ستطال زميل في قوت يومه وستحرم الوطن من الاستفادة من مؤهلاته وكفاءاته وستجعل لعنة ذلك تطاردني أنا الي يوم البعث، فقررت النجاة بنفسي وأزحت الورقة من أمامي ووضعت مكانها الرسالة العراقية ووافقت عليها وطبعت علي الآلة الكاتبة رسالة الموافقة بتوقيع المدير العام.

في صبيحة الغد استدعاني المدير العام بحضرة مساعده والمدير الاداري وسألني عن التقرير فقلت له أنني قررت عدم كتابته وطي صفحة الموضوع، فتفاجأ الجميع دون ان يصدقوني وقدم المدير العام المساعد والمدير الاداري النصوص القانونية التي تؤكد أن عقوبة الدده علي فعلته، هي الطرد النهائي من العمل مع حرمانه من جميع الحقوق مبرزين أن مسامحته ستؤدي الي فوضي في المؤسسة ومؤكدين علي أنني لا أملك حق مسامحته وأن علي أن أقدم تقريرا مفصلا عن الواقائع من موقعي الاداري وهو التقرير الذي علي اساسه ستتخذ العقوبة ضده.

فقلت لهم أنني شخصيا قررت مسامحته وأن لايكون لي أي دور في معاقبته وطلبت من المدير العام لقاء بيننا علي انفراد حول الموضوع وهو ما قبل به، حيث شرحت له دوافع قراري وطلبت منه تفهمها وهو ما استجاب له، مشكرورا، وقدمت له الرسالة التي هيئاتها لتوقيعه بالموافقة علي إذن التغيب للدده للسفر إلي العراق، التي وقعها، مبديا لي تقديره لموقفي.

وطلبت فورا ممن له صلة مباشرة بالزميل الدده أن يبلغه بالموافقة علي رسالته وأنها موقعة لدي سكرتيرية المدير العام. تذكرت هذه الحادثة اليوم في رمضان، وتذكر روضة صيامه مع الزميل الدده، تذكرتها بعد أزيد من ثلاثة سنوات من فصلي التعسفي من العمل في الوكالة الموريتانية للانباء مع حرماني من جميع حقوقي، تذكرتها بعد حوالي 25 سنة من حدوثها ظل خلالها عطاء الدده متواصلا أطال الله في عمره، تذكرتها وحمدت الله علي أنني لم أكن سببا له ولا لنفسي في أي ضرر مادي أو معنوي. فهل كنت علي صواب؟.

ماموني ولد مختار اعيد نشر هذه القصة بمناسبة تعيين الزميل الدده رئيسا لمجلس إدارة إذاعة موريتانيا.

------------------

من صفحة الأستاذ مامونى ولد مختار على الفيس بوك

فيديو 28 نوفمبر

البحث