هجمة دبلوماسية ايرانية على مصر والفضل يعود لـ”الدولة الاسلامية”
الثلاثاء, 02 سبتمبر 2014 20:33

عبد الباري عطوان

عندما يقول علي اكبر ولايتي مستشار السيد علي خامنئي قائد الثورة الايرانية ومرشدها الاعلى “ان انتصار الشعب الفلسطيني وصموده ضد العدوان الاسرائيلي الغاشم على قطاع غزة لم يكن يتحقق لولا دعم مصر”،

 ويؤكد في تصريحات “غير مسبوقة” خلال استقباله وفد اعلامي مصري “ان الشعب المصري كان سباقا في دعم الفلسطينيين منذ ان بدأت القضية الفلسطينية”، فان هذا يعتبر مؤشرا قويا لتقارب مصري ايراني قد يقلب كل المعادلات السياسية وربما الامنية القائمة حاليا في المنطقة.

زيارة وفد اعلامي مصري يضم ممثلين عن صحف ومحطات تلفزة مصرية وخاصة لا يمكن ان يأتي من قبيل الصدفة، واستقبال هذا الوفد من قبل السيد ولايتي المستشار الاهم للمرشد الاعلى والسيد حسين الدين اشتاه مستشار الرئيس حسن روحاني لشؤون الاعلام خطوة مقصودة، كما ان تركيز المستشارين على التأكيد بأن انتصار الشعب الفلسطيني وصموده ضد العدوان الاسرائيلي على غزة لم يكن يتحقق دون دعم مصر، رسالة جرى اختيار كل كلمة فيها بعناية فائقة للرد على كل المواقف التي اتهمت السلطات المصرية الحالية بالتواطؤ مع هذا العدوان، وممارسة ضغوط على الوفد الفلسطيني المفاوض لتقديم تنازلات والقبول بالمبادرة المصرية لوقف اطلاق النار.

 نحن امام حلف جديد يتبلور في المنطقة، يضم ايران ومصر والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والاردن، يأتي مزيجا غريبا وغير مسبوق بين اعداء لدودين حتى قبل بضعة اشهر مثل ايران من ناحية والمملكة العربية السعودية والامارات من الناحية الاخرى في مواجهة المحور التركي القطري حتى الآن على الاقل.

 

***

 

الفضل الاكبر في حدوث هذا الانقلاب في المعادلات السياسية في المنطقة يعود بالدرجة الاولى الى صعود خطر “الدولة الاسلامية” بقيادة “الخليفة” ابو بكر البغدادي القرشي الذي بات يهدد جميع هذه الدول وحكوماتها خاصة، مجتمعة او متفرقة، والمملكة العربية السعودية على قمتها.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا يدور حول الخطوة التالية لهذا التحالف الجديد وفي اي اتجاه ستكون، وماذا يمكن ان يترتب عليها من خطوات اخرى فرعية؟

منذ ان شارك السيد حسين امير عبد اللهيان نائب وزير الخارجية الايراني والمقرب جدا من المرشد الاعلى في حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس للجمهورية بعد فوزه في الانتخابات مطلع الصيف الماضي، والغزل الايراني المصري لم يتوقف، رغم الجمود في العلاقات بين البلدين، فهذه المشاركة بددت النظرية التي كانت تقول ان القيادة الايرانية تقف في خندق الاخوان المسلمين ضد الانقلاب العسكري، وتؤازر الرئيس المخلوع محمد مرسي الذي زار طهران قبل الاطاحة به في اول زيارة لرئيس مصري منذ اربعين عاما.

موقف الرئيس السيسي من الازمة السورية، وعدم اتخاذه مواقف شرسة ضد الرئيس بشار الاسد والمطالبة باطاحة نظامه مثل حلفائه في معسكر “الاعتدال” العربي، وتأكيده في لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المصرية قبل اسبوع بأنه يقف على مسافة واحدة من النظام والمعارضة في سورية، شكلت “كلمة السر” الرئيسية التي جعلت طهران تتقارب معه وتنفتح عليه.

الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل واحد ابرز مستشاري الرئيس السيسي وضع اللبنة الاولى في هذا التقارب عندما لعب دور الوسيط بين ايران والفريق اول السيسي عندما كان وزيرا للدفاع، بعد الاطاحة بحكم الاخوان في مصر وزار بيروت بدعوة من السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله حيث التقى خلالها بمسؤولين ايرانيين جاءوا خصيصا لمقابلته تردد ان من بينهم مستشارين للسيد خامنئي بينهم علي اكبر ولايتي، علاوة على غضنفر ركن ابادي، السفير الايراني في العاصمة اللبنانية في حينها، وذلك في كانون الاول (ديسمبر) من العام الماضي، وقد التقيت السيد هيكل مرتين حيث تصادف وجودي هناك واكد لي انه التقى السيد حسن نصر الله، وانه لا يستبعد تقاربا وشيكا بين مصر وايران، واكد لي انه يؤيد هذا التقارب ويسعى له.

الفتور في علاقة ايران مع حركة الاخوان المسلمين والرئيس مرسي خصوصا وصل ذروته عندما اعلن الاخير (الرئيس مرسي) في اجتماع انعقد في مدينة نصر، بحضور الشيخ يوسف القرضاوي ومجموعة من العلماء الكبار من سعوديين ومصريين، الجهاد في سورية واغلاق سفارتها في القاهرة قبل الانقلاب العسكري الذي اطاح نظامه بعشرة ايام تقريبا (حزيران عام 2013)، وكذلك اهانة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد قبلها من قبل شيخ الازهر اثناء زيارته للقاهرة، حيث خاطبه بالكثير من التعالي والعجرفة وانتقد سياسات حكومته “الطائفية” وحظي بسبب ذلك بـ”تكريم” خليجي رسمي غير مسبوق.

 المحور السعودي الايراني المصري الجديد الذي بات في مرحلة التبلور يعتقد اعتقادا راسخا انه لا يمكن هزيمة “الدولة الاسلامية” دون التعاون والتنسيق مع النظام السوري، وهذا قد يفسر على ان بقاء هذا النظام، ولو لفترة انتقالية “طويلة” امر حتمي، وجرى تكليف السلطات المصرية بالقيام بالتمهيد لهذا التنسيق والتعاون وفتح قنوات حوار مع النظام في دمشق.

اللقاء الخماسي الذي انعقد في مدينة جدة يوم الاحد قبل الماضي للدول العربية الاعضاء في منظومة “اصدقاء سورية” بحضور وزراء خارجية كل من مصر والسعودية والامارات وقطر ومستشار وزير خارجية الاردن، والزيارة المفاجئة للسيد عبد اللهيان قبلها، كانا تمهيدا للتحالف الجديد وانعكاسا لحدوث انقلاب وتغيير في الاولويات، من اسقاط النظام السوري الى فتح قنوات حوار معه، للتركيز على الخطر الاكبر الذي تشكلة “الدولة الاسلامية”، وجرى تكليف مصر بهذه المهمة، باعتبارها الاكثر حيادا في الازمة السورية.

***

 

وزير الخارجية المصري سامح شكري كشف الاحد ان بلاده لم تطرح مبادرة محددة بشأن الازمة السورية، و”انما تسعى لجمع الاطراف المتنازعة في اطار سياسي مثلما حدث في مؤتمر جنيف للتوصل الى توافق يرفع المعاناة غن الشعب السوري”، وذلك في تصريحات لصحيفة “عكاظ” السعودية.

“الدولة الاسلامية” قربت بين العدوين التاريخيين السعودية وايران، وكسرت جمود العلاقة بين القاهرة وطهران، وجرت امريكا جزئيا وربما كليا الى رمال الشرق الاوسط الملتهبة، وقلبت كل المعادلات القائمة، وافرزت “كوكتيلا” غريبا يجمع دول في معسكر الممانعة مع اخرى في معسكر الاعتدال، كل هذا في اقل من عاملين فقط.

هل نتحدث هنا عن دولة عظمى؟ ربماّ، وهل سنرى مندوب سورية قريبا يحتل مقعهد بلاده في الجامعة العربية؟ ومتى انتقد السيد نبيل العربي امينها العام النظام السوري آخر مرة؟ بل متى هاجم الامير سعود الفيصل وكل وزراء خارجية مجلس التعاون النظام السوري آخر مرة ايضا؟ وماذا عن الائتلاف الوطني السوري واخباره، ولماذا لم يعد يفرش السجاد الاحمر لرئيسه الجديد هادي البحرة؟

نترك الاجابة لكم، والامر متروك لفهمكم اولا واخيرا.

فيديو 28 نوفمبر

البحث