أستحريف
الخميس, 04 سبتمبر 2014 15:07

خطر ببالي أن أخطر أمراض العصر مرض يدعى استحريف و مع أن الجميع مدركون لخطورة الأمر إلا أنه من النادر نقاشه بل السكوت عن ظواهره و أعراضه و نتائجه حالة عامة ..

استحريف أيها السادة يطال الجميع و لكل منا نصيب منه بقصد أو بغير قصد حتى ليخيل إلي أنه ظاهرة كونية .. و من المؤكد أن صنفين من الناس هم أكثر الناس استحريفا ألا و هم المثقفون و النساء .. يظل استحريف المستحرفين المثقفين معهم إلى آخر لحظة في الحياة أما بالنسبة لبنات حواء فهو مرتبط بمرحلة عمرية فمتى اقتنعن بأنهن حاكم الله اعظم شخن و دارت عليهن الدائرة رجعن طبيعيات و كأنهن ما تدللن يوما و ما عرفن الغنج و التكسر ...

و الفرق ان استحريف الغيد فيه متعة للعين لمن أراد و ربما رمى بسهم في الفؤاد نسأل الله السلامة و العافية لكن المثقفين حين يستحرفون كارثة حقيقية فلا شيطان و لا ربَّانيات ... 

لعل المصطلحات عند بعض الكتاب و المفكرين من أهم مظاهر ما نحن بصدده فهم حريصون على أن يملأوا ذهن المتلقي بمصطلحات عجيبة حتى و لو لم تكن ثمة من ضرورة ... و من النادر أن يفسروا للقارئ أو المستمع معنى المصطلح و هو ما يؤدي بالتأكيد إلى محدودية عدد المستوعبين للفكرة .. لكن احتفاظ البسطاء في أذهانهم بعبقرية هؤلاء هدف منشود و مغنم مقصود ..

ومنهم من لا يكتفي بالمتراكم عالميا من المصطلحات فيسعى إلى زيادتها بأن ينحت من عنده الجديد المعقد و الفريد ... ومنهم من يمط شفتيه عند الحديث من غير جبلَّةٍ تسكنه ومنهم من يتهدج صوته في الإلقاء و ذلك من استحريفنا نحن الشعراء ...

و منهم من يتظاهر بانشغالاته و بأن الوقت من ذهب في حين أنه يعيش الفراغ الحق فلا بحث و لا قراءة ...

و منهم من يشتري نظارات كبيرة و ربما امتد منها حبلان يتدليان من شحمتي الأذنين إلى مؤخرة العنق إمعانا في البريستيج و ربما اتخذ صنفين من النظارات أحدهما للقراءة و الآخر عن شمس العاصمة ..

و منهم من يصطنع الشرود و التفكير في ملكوت الله و المستقبل و الحاضر إذا جلس بين الناس ليوهمهم بأنه أول من فكر في التغيير و بأن أمامه مهمة تغيير العالم ...

ومنهم من لا يُسلِّم إلا ببرودة على عباد الله فهو المحقق المدقق وما كان لمثله أن يكون بسيطا ولا مضمون اللقاء ... ومنهم من يعتقد نفسه محور الكون وقطب زمانه في المعرفة والمقام ويتصرف على ذلك الأساس في الواقع وفي العوالم الافتراضية.

تلك بعض الأمثلة و هي قليلة إذا قورنت مع ما تعرفون لكنها تعطي بعضا من الصورة و إن خالطها بعض المزح متمنيا أن لا تضيق به صدور أساتذتي الكرام ...

والحقيقة مع كل ذلك أن تصرفات هؤلاء القوم تدخل بكل تأكيد في مجال الحرية الشخصية فلهم كامل الحق فيها دون ملام أو ملاحظة منا لكنه من حقنا أيضا أن نتساءل و قد رضينا أن نصفهم بالنخبة و الطبقة الراقية قائلين ماذا قدمتم لنا و هل أعدتم لبلادنا مجدها الثقافي الذي شهدته القرون الماضية ... و كيف استطاع المتخذون العيس مدرسة المتتبعين قطر السماء الطالبين طياش الإبل اللابسين المرقعات البائتين على الطوى أن يخلدوا كل هذا الذكر بينما ما زلنا في مؤخرة قائمة من يثرون ثقافة العرب المعاصرة ...

---------------------------

من صفحة الأستاذ الشيخ ولد بلعمش على الفيس بوك

فيديو 28 نوفمبر

البحث